يشكو المعظم بأنه بعد الزواج تفتر الحرارة العاطفيّة بين الزوجين، وينصح الكثيرون بأن تتحول الحياة بين الزوجين إلى حالة من الصداقة الدائمة... فهل يمكن أن تتحقق هذه الصداقة؟
إن العطاء يستمر وينمو بالتشجيع والمكافآت، ونادراً ما نجد إنساناً يستمر في العطاء من غير تشجيع أو مكافأة، والعلاقة الزوجيّة كذلك تستمر، ويستمر العطاء فيها بين الزوجين إذا كافأ كل طرف الآخر، والمكافأة لا يُشترط فيها أن تكون مكلفة أو أن تكون مالية، وأمامنا أفكار كثيرة تمكّن الزوجين أن يكافئ كل واحد منهما الآخر من غير أن تكلّفه المكافأة شيئاً؛ فهناك المكافأة النفسيّة، وهناك المعنويّة وغيرها الكثير. والمكافأة الزوجيّة هي رمز التقدير والاحترام للعلاقة الزوجيّة، وكلما كثرت المكافآت بين الطرفين كلما ازداد الحب وقوي الانسجام.
فهناك مكافأة تتمثل في "الابتسامة في الوجه" وهي تعطي الشعور بالتقدير للموقف الذي حصل بين الزوجين؛ فتدعمه معنوياً، وخصوصاً إذا ما أضيف إليها الإمساك باليد، والشدّ عليها فإن ذلك يعبر عن الفرح والامتنان من التصرف الذي قام به أحد الزوجين و "الابتسامة صدقة" كما أخبر الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. وهناك مكافأة أخرى وهي "الشكر بحرارة وصدق"؛ فالكلمة الطيبة صدقة، وشكر أحد الزوجين للآخر على الموقف الذي وقفه يعطيه تأكيداً بأن عمله صحيح ومقبول عند الطرف الآخر، ولكن بشرط أن يكون الشكر بصدق وحرارة.
وهناك أمثلة كثيرة على المكافآت المجانية في العلاقة الزوجية، مثل إشراك الطرف الآخر في القرارات العائليّة، أو الموافقة على طلب لأحد الطرفين كان مرفوضاً سابقاً.
وسائل لتنمية الصداقة بين الزوجين
ويركز علماء النفس على الكلمة الطيبة، والتعبير العاطفي بالكلمات الدافئة و الرقيقة كإعلان الحب للزوجة مثلاً، وإشعارها بأنها نعمة من نعم الله عليه. وينبّهون على الجلسات الهادئة، وجعل وقت للحوار والحديث، يتخلله بعض المرح و الضحك، بعيدًا عن المشاكل، وعن الأولاد وصراخهم وشجارهم، وهذا له أثر كبير في الأُلفة و المحبة بين الزوجين.
ولا ننسى التفاعل من الطرفين في وقت الأزمات بالذات، كأن تمرض الزوجة، أو تحمل فتحتاج إلى عناية حسيّة و معنويّة، أو يتضايق الزوج لسبب ما، فيحتاج إلى عطف معنويّ، وإلى من يقف بجانبه، فالتألم لألم الآخر له أكبر الأثر في بناء المودّة بين الزوجين، و جعلهما أكثر قُربًا و محبة أحدهما للآخر.
أسباب الخلافات
خلافات السنوات الأولى من الزواج، والتي تقف به أحيانًا على حافّة الطلاق، ومن ثم تزيد حالات الطلاق المبكّر، ويحصر هذه الأسباب في عدم جعل الدين هو الأساس الأول في اختيار الزوج "الزوجة"، وعدم البساطة في الزواج، ومحاولة توفير جميع الكماليّات والتحسينات في عشّ الزوجيّة، ولو أدّى ذلك إلى إضافة أعباء ماديّة قد ترهق الزوج أو تجعله مدينًا.
ومن هذه الأسباب تطلّع المرأة إلى من هي أعلى منها ماديًا باستمرار، ومحاولة محاكاتها وإرهاق الزوج بذلك. وكذلك عدم توافر الجو الأسري الذي يجمع بين الزوجين ليناقش كل منهما أحوال الآخر ويستمع إلى مشكلاته. وتمسّك كل طرف برأيه، وعدم التنازل عنه، أو الوصول إلى حلّ وسط. وتدخل الأهل بمفاهيم خاطئة يبثّونها بين الزوجين (مثل القول للمرأة: أنت تعملين مثله فلابد أن يكون لك رأي، ولا تتنازلي عنه، فهو ليس أفضل منك).
ومن هذه الأسباب أيضاً وسائل الإعلام وما تقوم به من غسيل مخٍّ في العلاقة الزوجية حتى صوّرتها على أنها علاقة ندّية بين اثنين، وليست علاقة تكامليّة، حتى توهمنا أن الزواج عبارة عن حلقة مصارعة بين طرفين، وكل طرف حريص على أن يحصل على أكبر قدر من المكاسب لصالحه. أن الصداقة بين الزوجين، تيسر عليهما أشياء كثيرة جدًا وتخفّف من حجم أي مشكلة، كما أن حسن طاعة الزوجة لزوجها، والعمل على استرضائه دائمًا بالتقرب إليه بفعل الأشياء التي يحبّها، يجعلها دائمًا حبيبته وصديقته.
وندعو كل زوجة إلى فهم الطاعة، لا على أنها الخنوع والذلّ للطرف الآخر، بل على أنها عبادة تتقرب بها الزوجة الصالحة إلى ربها -عز وجل- وإذا كانت طباع الزوج سيئة، ولم تعتد عليها الزوجة ففي صبرها على ذلك، ومحاولتها تغيير هذه الطباع أجرٌ تُثاب عليه، كما أن لها عظيم الأجر في إشعارها زوجها بأنه أول اهتماماتها في هذه الحياة، وأنها لا تقدّم عليه أي شيء آخر سوى الله.
الصراحة بين الأزواج تبني الثقة والصداقة
الكذب والمداراة وعدم المصارحة من أهم أسباب ضعف الثقة؛ فالزوجة التي اعتادت الكذب وعدم الاعتراف بالخطأ تعطي الدليل لزوجها على ضعف ثقته بها وبتصرفاتها وعدم تصديقها وإن كانت صادقة، والزوج الذي يكذب يعطي الدليل لزوجته كذلك. ولو التزم الزوج والزوجة الصدق والمصارحة لخفّت المشكلات بينهما. والثقة لا تعني الغفلة، ولكنها تعني الاطمئنان الواعي، وأساس ذلك الحب الصادق والاحترام العميق وبناء ذلك يقع على الطرفين، والمصارحة تدفع إلى مزيد من الثقة التي هي أغلى ما بين الزوجين، وإلزام كل طرف بالصراحة منذ بداية حياتهما سوياً.
والصراحة هي أساس الحياة الزوجية، وهي العمود الفقري في إقامة دعائم حياة أسرية سليمة خالية من الشكوك والأمراض التي قد تهدّد كيان الأسرة بالانهيار، و إذا ارتكزت الحياة الزوجية عليها كانت حياة هادئة هانئة أما إذا أقيمت على عدم المصارحة فإنها تكون حياة تعسة يفقد خلالها كلا الزوجين ثقته في الآخر. ولكنْ للصراحة حدود فهي بين الأزواج ليست كما يفسرها البعض بأنها صراحة مطلقة وبلا حدود؛ لأنها بهذا التعريف تُعتبر نقمة وليست نعمة؛ فقد تؤدي إلى تدمير الأسرة خاصة إذا كان الزوجان ليسا على درجة كافية من التفهم والوعي والثقة المتبادلة.